نأتيك بالخبر اليقين تابع تطبيق اخبار السودان العاجلة على متجر قوقل

الصيدلي.. الشاعر الأخير

Posted by:

|

On:

|

في الزاوية التي تعج فيها الأسئلة، المكان الذي لكأنه لوحة فنية من لوحات عصر النهضة، تتداخل فيها ألوان الحبوب والكباسيل وتتقاطع فيها أحجام العقاقير المختلفة، يمد المريض يديه، من خلف الشباك، في حركة تراجيدية، تلوح بلا صوت، الوصفة الطبية أمامك كأنها رقيم قديم، خطوط متداخلة، رموز مبهمة، وأسماء لا تكتمل، يسألني المريض بدهشة، كيف تقرأ تلك الكلمات؟لكن الصيدلي لا يتقن السحر، بل يتقن التأويل ولا يكتفي بالعين، بل يشرك القلب والبصيرة. وفي كل مخطوطة طبية يواجه تحديا جديدا:

تركيبة دوائية تحتمل أكثر من معنى، ومع كل ذلك، عليه أن يصل إلى الحقيقة قبل أن تصل الخطوة التالية إلى المريض.

«دع قلبك يتكلم، واستنطق الوجوه، ولا تنصت إلى اللغات»، من رواية اسم الوردة لأمبرتو إيكو.

ولن يغفل القارئ الحاذق أن المهمة التالية بعد هذا النص، ستكون تحت سلطة الصيدلي، الذي يؤول الحروف المتشابكة إلى معنى واضح، ويحول النص المبعثر إلى دواء مأمون.

وفي ضوء مفهوم «موت المؤلف» لرولان بارت، لن يملك الطبيب نصه بعد فراغه من كتابة الوصفة، بل ستؤول إلى الصيدلي الذي يعيد تشكيل المعنى وفق سياق المرض، وتفاعلاته، وأدويته.

الوصفة، وإن كتبت بلغة علمية مختزلة، تحمل خلفها احتمالات وتأويلات، لا تحسم إلا عند الصيدلي، الذي يقف على تقاطع الفهم، والخبرة، والشك وهي ليست ورقة تصرف، بل نص مقدس. وهو لا يفسر فقط، بل يعيد خلق النص: يعدل، يكمل، يوازن الجرعة، وينقح.يبقى الصيدلي الشاعر الأخير.. لا يكتب القصيدة، بل يصرفها. ولا يزال واقفا، حارسا على باب المعنى، وأمينا على لغة لا تقال، بل تفهم.

الصيدلي حسن أنور – الأنباء الكويتية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *