يقال تَلَصَّصَ الشخصُ: تجسَّسَ، تسمَّع خفية. واللُصُوصِيَّة: هي أعمال التلصص والسرقة. واللُصُوصِيّ منسوب إلى لصوص جمع كلمة لص وهو السارق.
ويروى أن أدهم بن عسقلة كان كبير اللصوص في العهد العباسي قد كتب وصيته لأتباعه عند مرض وفاته جاء فيها «لا تسرقوا امرأة ولا فقيراً ولا جاراً، وإذا سرقتم بيتاً فاسرقوا نصفه واتركوا نصفه ليعتاش عليه أهله، ولا تكونوا أنذالاً أو ظلمة أو قتلة، اللهم إني قد بلّغت فاشهد». ونحن هنا نأتي على ما وصى به أدهم بن عسقلة أتباعه، سواء كانت هذه الشخصية من الواقع والحقيقة أو شخصية من الخيال، فهي تصور لنا ما كان عليه لصوص ذاك الزمان وما عليه زماننا من لصوصية. ويقول أحد شيوخ اللصوص ذاك الزمان عن نفسه «ما سرقت جاراً قطُّ ولو كان عدواً، ولا سرقت كريماً وأنا أعرفه، ولا خنت مَن خانني. ولا كافأت غدراً بغدر». والله لعجيب أمر وسلوك لصوص ذاك الزمان!.
ولكن ماذا نقول عن زماننا هذا وقد تكاثر اللصوص، وتعددت أشكال لصوصيتهم، وأصبحت سارية المفعول وليس كما كانت مقصورة على المال، وهذا الذي تعارف عليه الناس.
فمن أشكال اللصوصية تتبع عورات الآخرين والتجسس عليهم، وهناك لصوص من نوع آخر وهو إذا أسندت إليهم مسؤولية أو منصب أو غير ذلك، فإذا هم يتطاولون وتمد أيديهم على ما هو تحتهم من صلاحيات، فيجعلونها في مصالحهم ومصالح أصحابهم وجلسائهم، وقد يأتيك لص من نوع آخر، وهو أنه قد يكون جالساً بجوارك وهاتفك المحمول بيدك فإذا عيناه تتلصص على هاتفك بالنظر، أو يمسك جوالك ويتصفح ما فيه من غير استئذان. وهناك من يتلصص عليك وأنت جاره-أغلقوا نوافذكم عن جيرانكم أو ارفعوها قليلاً حتى لا تنكشف حرمات جيرانكم-،وهناك لصوص ذكرهم الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله فقال عنهم «ومن اللصوص الذين لا يُؤبه لهم الذين يسرقون وقتكَ، فيأتي من يزورك على غير ميعاد، ويهبط عليك كما تهبط المصيبة وينزل بكَ كموت الفجأة»، وهناك لصوص يسرقون أرضاً ليست أرضهم ويتوسعون ويتمددون كالسرطان في سرقتهم للأراضي، إنهم بنو صهيون، فهم أكبر تجمع لصوص في هذا الزمان في فلسطين الأرض الإسلامية المباركة، وإن من سوء المنقلب أن تجد من ينادي بالتطبيع مع هؤلاء اللصوص الذين سرقوا ونهبوا وقتلوا وشرّدوا أهل الأرض أهل فلسطين الشرفاء، وأهلكوا الحرث والنسل فيها، والاعتراف بهذا اللص السارق اللئيم الذي يحب الفساد، واللصوصية تجري في عروقه وتفكيره وفي مساحات حياته الوحشية. إنهم لصوص هذا العصر!.
«ومضة»
وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله حين أتى على وصف اللصوص وتعدد لصوصيتهم فقال:-
ما كان في ماضي الزّمانِ مُحَرَّمًا للناسِ في هذا الزمانِ مباحُ
صاغوا نُعُوتَ فضائلٍ لعيوبهم فتعذّرَ التمييزُ والإصلاحُ
فالفتكُ فَنٌّ والخِداعُ سياسةٌ وغِنَى اللصوصِ براعةٌ ونجاحُ
والعُـرْيُ ظرفٌ والفسادُ تمدُّنٌ والكِذْبُ لُطْفٌ والرِّيَاءُ صلاحُ
إبراهيم عبدالرزاق آل إبراهيم – الشرق القطرية
Leave a Reply