نأتيك بالخبر اليقين تابع تطبيق اخبار السودان العاجلة على متجر قوقل

الإنسان المشاغب

Posted by:

|

On:

|

في محاولات البحث عن صفة يتفرّد بها بين الكائنات، قيل إن الإنسان اجتماعي بطبعه، أو ناطق، أو ضاحك، أو له تاريخ، غير أنه يمكن وصم الإنسان في بعض حالاته بالمشاغب المندفع إلى ما يفسد لحظاته الهائنة. يفترض أن ميداناً ككرة القدم من مساحات الاستمتاع الفردي والجماعي، وتربية النفس على تقبل النتائج، فلا فوز دائم، ولا خسران متواصل، وهو مبدأ يفترض أنه قديم وراسخ في المجال الرياضي ويمكن تطبيقه على غيره من أمور الحياة.

والإنسان أحوج إلى ما يحقق متعته ويرفّه عنه في الأوقات العصيبة من مسيرة العالم والبلدان، وليس غير الرياضة، وتحديداً كرة القدم، ميداناً يجمع الملايين حول الشغف بها، وإن تفرقت بهم السبل في التشجيع بين الأندية المحلية والعالمية والمنتخبات، بدلاً من التشرذم حول أفكار حزبية أو سياسية، والانقسام بين الفرق السياسية المتناحرة في أكثر من مكان على خريطة العالم. ورغم ذلك، فإن جماعات بشرية لا ترتضي بقاء ميدان كرة القدم ميداناً أخضر في لون ملاعبه، وقواعد التنافس فيه، وارتضاء نتائج المواجهات، بل إنها تصرّ على صبغه بلون الدم وفرض أسس العمل السياسي عليه بدلاً من ترويض هذا العمل وجعل الروح الرياضية هي السائدة فيه. ورغم أن الجماهير هي الأقل كسباً من التنافس الرياضي، فهي تقنع بمتعة التشجيع والفوز ولا نصيب لها من العطايا والمكافآت، فإن انقيادها إلى ما يعكّر صفو الكرة يجعلها، أي الجماهير، الأكثر خسارة في بعض الحالات حين يفقد مشجعون حياتهم ثمناً لحماس زائد أو تعصب أعمى أو هوس لا يمكن تطويقه. وتتعاظم الخسائر حين يمتد الشغب إلى أطراف أخرى من قوات الأمن أو المنظمين أو المارة في أماكن الاحتفالات أو المواجهات الدامية بين الجماهير. إن الانحياز لفكرة أو كيان رياضي أو فني أمر طبيعي ومحمود، إن بقي في سياقه البسيط الذي لا يورث العصبية والفتن والاقتتال ولا يجعل المحتشدين في مناسبة رياضية هدفاً لهجوم لسبب له صلة بالرياضة أو السياسة حين تقتحم أرضاً غير أرضها. رأينا كيف أفسدت هذه الروح، قبل أيام، احتفالات نادٍ فرنسي ظفر ببطولة أوروبية ولم تكن أيام مضت على حادث دهس العشرات من جماهير فريق إنجليزي حصد بطولة الدوري.

إن الشغب الذي يصرّ البعض على أن يجعله جزءاً من طبيعة الإنسان هو، الآن وفي كل وقت، وفي أحداث رياضية أو غيرها، انعكاس لاتساع ضيق الأفق وتراجع القدرة على تقبّل الآخر، سواء كان منافساً في الرياضة أو غيرها، والتهور من أفراد يتنازلون طواعية عن متعة الكرة أو التنافس لتحلّ محلها كراهية قد تدفع شخصاً أو جماعة إلى قتل لاعب انتقل من فريق إلى آخر، أو تسبب في خسارة بطولة.
والأمر، للأسف، من السهل أن يسري من الملاعب إلى أروقة السياسة أو غيرها، لتزداد آلام الإنسان المصمّم على الشغب.

وليد عثمان – صحيفة الخليج

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *