مع تقدم التكنولوجيا وتطور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت السوشيال ميديا جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. لقد فتحت لنا أبوابًا جديدة للتواصل والتعبير عن آرائنا ومشاركة حياتنا مع الآخرين. ومع ذلك، لا يمكننا تجاهل الوجه الآخر لهذه الوسائل، حيث تحمل في طياتها سلبيات وإساءات تجعلنا نتساءل عن ثمن هذا التقدم التكنولوجي؟
فما بين التنمر الإلكتروني والإدمان الرقمي وفوضى المعلومات والكشف عن الخصوصيات… يكمن الوجه السيئ للسوشيال ميديا..وبداية من التنمر الإلكتروني.. وهو أبرز سلبيات السوشيال ميديا حيث يجد لبعض الأشخاص بفضل الغموض الذي توفره هذه المنصات فرصة لممارسة الإساءة اللفظية والنفسية على الآخرين. ويمكن أن تكون الكلمات الجارحة والصور المهينة والأساليب السلبية الأخرى مؤذية بشدة، خاصة بين الشباب والمراهقين الذين يشكلون الفئة الأكبر من مستخدمي السوشيال ميديا. فكم من نفسٍ تضررت وكم من قلبٍ انكسر بسبب هذا التنمر الخفي؟ وبعد أن كانت الدعابة تأتي من النكت والقصص.. أصبحت مادة التنمر والسخرية هي السائدة في نقاشات السوشيال.
ثم بعد ذلك ضرر أكبر وهو “الإدمان الرقمي”
حيث نجد أنفسنا نتصفح مواقع التواصل الاجتماعي بشكل لا إرادي، نقضي ساعات طويلة في التنقل بين المنشورات والصور والفيديوهات. مما يؤثر على صحتنا النفسية والجسدية. فقلة النوم، وزيادة الشعور بالقلق والاكتئاب، والعزلة الاجتماعية، كلها نتائج محتملة لهذا الإدمان. بالإضافة إلى ذلك، فإن الانغماس في العالم الافتراضي يمكن أن يؤدي إلى إهمال المسئوليات الحياتية والواجبات اليومية، متناسين أن هذا الوقت هو من عمرنا وسنحاسب عليه.
كما يعد نشر الأخبار الزائفة “فوضى المعلومات” مما يضر بسلامة الأشخاص والمجتمع..
ففي عصر السوشيال ميديا، أصبحت المعلومات تنتقل بسرعة البرق، فيسهل انتشار الأخبار الزائفة والشائعات. مما يؤدي إلى تضليل الناس ونشر الذعر والخوف بينهم. فكم مرة قرأنا خبرًا صادمًا ليتبين لاحقًا أنه مجرد شائعة؟ إن سرعة انتشار هذه الأخبار الكاذبة يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة علينا كأفراد وعلي المجتمع عامة والنبي صل الله عليه وسلم يقول “كفى بالمرء إثما أن يُحدث بكل ما سمع”.
ثم تأتي آفة عظيمة وهي السباق إلى الكمال..
حين تعج مواقع التواصل الاجتماعي بالصور المثالية للحياة والأشخاص، مما يخلق لدى البعض شعورًا بالنقص أو الإحباط. حيث يميل الناس إلى مقارنة حياتهم الواقعية بما يرونه من حياة مثالية على هذه المنصات، متناسين أن هذه الصور والفيديوهات غالبًا ما تكون محض تجميل وانتقاء للحظات معينة. هذا يمكن أن يؤدي إلى تدهور الثقة بالنفس وزيادة الشعور بالغيرة والاكتئاب ولا ننسي قوله تعالي (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ).
إن إساءة استخدام الخصوصية “الثمن الخفي”
فمشاركة المعلومات الشخصية بشكل مفرط على السوشيال ميديا يمكن أن تؤدي إلى انتهاك الخصوصية. ويمكن أن تكون هذه المعلومات هدفًا للمحتالين والمخترقين الذين يستغلونها لأغراض خبيثة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي هذه المشاركات إلى مشاكل اجتماعية وعائلية عندما تُستخدم المعلومات الشخصية ضد أصحابها.
وهناك أضرار أخري صحية ونفسية وأضرار أخري غير مباشرة بجانب تأثر مستخدمي السوشيال ميديا بصناع المحتوي غير المتخصصين أو المؤهلين لتقديم النصح للغير وعلي غير دراية فيما يقدمون، ولكن وعلي الرغم من كل ما سبق فيجب أن نعترف بأن السوشيال ميديا أداة قوية لها العديد من الفوائد، لكن استخدامها بشكل غير مسئول يمكن أن يحول هذه النعمة إلى نقمة. فمن الضروري أن نكون واعين للتحديات والمخاطر التي تصاحب استخدام هذه الوسائل، وأن نتبنى ممارسات سليمة تحمي خصوصيتنا وخصوصية من نعول وتحفظ صحتنا النفسية والجسدية. علينا أن نتعلم كيف نستفيد من التكنولوجيا دون أن نكون عبيدًا لها، وأن نكون على دراية كاملة بالحدود التي يجب ألا نتجاوزها. فقط من خلال الاستخدام الواعي يمكننا تحويل السوشيال ميديا إلى وسيلة إيجابية تعزز حياتنا وتثري تجاربنا.
محسن سليمان – جريدة الدستور